الرقة وسنوات الثورة العجاف والزلزال السوري المستمر

0

رئيس التحرير: أنور بدر

أوراق 19- 20

افتتاحية العدد

شكّل اندلاع شرارة الاحتجاجات/ الثورة في سوريا آذار 2011 من محافظة درعا جنوب سوريا مفاجأة غير سارة للنظام الذي اعتبرها وفق التصنيفات الأمنية “محافظة صديقة للنظام”، وفق إشارة الإعلامية سميرة مسالمة في كتابها “الانهيار السوري .. الصراع على السلطة والدولة والهوية”.

وربما بنفس القدر أو أكثر كان مفاجئا للنظام أن تكون الرقة التي يعتبرها مزعته الخلفية، أو حسب تعبير بعض نشطاء الرقة “مستعمرة داخلية. تُحكَم بالقوة وتنهب بلا رحمة، وتترك للخراب” كما ذكر الباحث ياسين الحاج صالح، هي أول محافظة سورية تخرج عن سيطرته حين قامت قوات المعارضة المسلحة في اليوم الرابع من آذار/ مارس 2013، بالسيطرة على المدينة بالتزامن إجراءات مذلّة للنظام بدءا من إسقاط الصنم/ تمثال الأسد الأب، وصولا إلى اعتقال المحافظ ورئيس فرع الحزب وقادة الأجهزة الأمنية في تلك المحافظة، التي سبق لرأس النظام أن اختارها مكانا لأداء صلاة عيد الأضحى في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، كإشارة إلى ولائها أو إلى سيطرته المطمئنة عليها.

لن نُسهب الآن في الحديث عن أخطاء الاستراتيجية المتمثلة بسيطرة تلك المعارضة العسكرية على ما اعتبرته مناطق “محررة”، حيث تحولت بسرعة فائقة لدريئة ثابتة لقصف النظام وحلفائه من جهة، كما شكلت غواية للفصائل الجهادية المتطرفة للتنازع بهدف السيطرة عليها، وهو ما انتهى سريعا بتحول الرقة إلى عاصمة الخلافة الإسلامية المزعومة، بعدما أعلن أبو بكر البغدادي إقامة “دولة داعش” في إبريل/ نيسان 2013.

المفارقة الجارحة في هذه المحافظة أنها من أغنى المحافظات السورية، إذ تزود كامل سوريا بالطاقة الكهربائية من سد الطبقة/ الثورة، وفيها أيضا سد البعث، والكثير من آبار النفط، وتعتبر من أهم مناطق زراعة القمح والحبوب والقطن في سوريا، ناهيك عن آثارها وفراتها، ومع ذلك بقيت محافظة بعيدة عن التنمية الحضرية، وفيها نسب مرعبة للبطالة والفقر والأميّة. وليس خروجا عن السياق التقاط تلك المسمّيات في الرقة “سدّ الثورة، سدّ البعث، بحيرة الأسد، مع نصب أو تمثال عملاق للأسد الأب وهو يرتدي عباءة فراتية”!

ولأن أبناء الرقة ظُلِموا مرتين، الأولى حين حولها نظام البعث إلى مزرعة خاصة به، تمده بالنفط والقمح والقطن والكهرباء، والثانية من قبل استبداد داعش ديني الطابع وإرهابي السلوك، وحتى بعد انتهاء الحرب فيها على الإرهاب وتحرير المحافظة عام 2017، لاتزال الرقة للآن تحت سيطرة قوات قسد المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. دون أن يهتم أي من قوى الاستبداد أو الأمر الواقع المسيطرة بسكان تلك المحافظة ومصالحهم ومشيئتهم.

مأساوية هذا المشهد دفعتنا في هيئة التحرير لتسليط الضوء في هذا العدد على بعض جوانب الحركة الثقافية والنتاج الإبداعي في حقول الآداب والفنون لهذه المحافظة، والتي تبدو لمن يعرف الرقة جيداً، أنها شكّلت حالة ثقافية متميّزة في الجغرافيا السورية، على الرغم من إمكانياتها المتواضعة، حيث نُظّمت فيها العديد من المهرجانات الثقافية المتخصصة بدءاً من مهرجان العجيلي للرواية العربية ومهرجان الشعر واستمراراً بمهرجان المسرح وآخر للفلكلور وملتقى للرسم.. وذلك مؤشر هام على عمق وأصالة وتميز هذا الحراك الثقافي، بمبدعيه من كتّاب وفنانين ترك معظمهم أثرا ملموسا في ثقافتنا السورية والعربية، ويمكن لمن يُتابع مواد هذا العدد الضخم أن يلحظ ذلك بسهولة، ليس في مواد الملف بل في أغلب الملفات الإبداعية للقصة والشعر والنصوص وصولا للملف التشكيلي الذي نهض بأريع مواد عن الرقة.

وأخص بالذكر والشكر الصديق المترجم إبراهيم محمود الذي نقل عن الفرنسية فصلا من كتاب مريم العبابسة “رهان السرد والعمران القبلي في الرقة”، والذي يشكل إضاءة مهمة على جزء من تاريخنا السوري غير المعروف بشكل جيد، وبذات الوقت هو إضاءة على سلوك النظام الذي يدعي التقدمية والاشتراكية بالمعنى الأيديولوجي والسياسي، لكنه استغل وشجّع الانتماءات والانقسامات القبلية والعشائرية ليس في الرقة فقط، بل في كل سوريا.

كما نشكر الكتاب والمبدعين الذين ساهموا معنا في ملفات الابداع شعراً وقصةً ونقداً أدبياً ودراسات وترجمة وحواراً وتشكيل، والتي انصبّ جلها على محور “الثقافة والأدب والفنون في محافظة الرقة” وبشكل خاص الشهادات القيمة لكتاب ومبدعين عرب وسوريين ممن شاركوا في دورات “مهرجان عبد السلام العجيلي للرواية العربية”.

كذلك وجب التنويه أننا في غمرة الاشتغال على هذا العدد المزدوج من أوراق وقعت في 6 شباط/ فبراير كارثة الزلزال وما تلاها من هزات ارتدادية في كل من جنوب تركيا وشمال سوريا، وقد تطوع معنا الصديق الباحث موفق نيربية بدراسة وافية لهذا الحدث وما بعده، ربطا بزلزال سوريا المستمر في حرب النظام ضد شعبه، والذي يدلف الآن لعامة الثالث عشر، كما كتبت المحامية منى أسعد عن واقع المرأة السورية في ذكرى اليوم العالمي للمرأة.

ونذكر بأن كل المساهمات التي في هذا العدد هي تطوعية، لغياب أي تمويل لمجلة أوراق ومن أي جهة كانت، لذلك نحن ندين بالشكر والعرفان لجميع الزملاء المشاركين في هذا العدد تقديراً لجهودهم، وننوه بشكر إضافي للأصدقاء والزملاء الذين يُصرّون رغم صعوبة الظرف العام، على المشاركة بشكل مستمر. كما نشكر كالعادة أيضا كل الأصدقاء والكتاب والمثقفين الذين حالت ظروفهم دون المشاركة في هذا العدد، لأننا ندين لهؤلاء المبدعين والمثقفين بالتقدير والعرفان كمساهمين معنا وشركاء في نجاح مجلة “أوراق” ودورية صدورها.